استحضرْ عقلَكَ

لفتة الكبد في نصيحة الولد

استحضرْ عقلَكَ

اعلمْ يا بنيَّ وفَّقَكَ اللهُ للصوابِ أنّهُ لمْ يتميَّز الآدميُّ بالعقلِ إلا ليعملَ بمقتضاهُ فاستحضرْ عقلَكَ وأَعمِلْ فكرَكَ واخلُ بنفسِكَ تعلمْ بالدليلِ أنّكَ مخلوقٌ مُكلّفٌ وأنَّ عليكَ فرائضَ أنتَ مطالَبٌ بها وأنَّ الملَكينِ يُحصيانِ ألفاظَكَ ونظراتِكَ وأنَّ أنفاسَ الحيِّ خُطاهُ إلى أجلِهِ ومقدارُ اللبثِ في الدنيا قليلٌ والحبسُ في القبورِ طويلٌ والعذابُ على موافقةِ الهوَى وَبِيلٌ فأينَ لذةُ أمسِ؟ قد رَحلَتْ وأبقَتْ ندَمًا وأينَ شهْوةُ النفْسِ؟ كم نكَّسَتْ رأْسًا وأزلَّت قدَمًا وما سعِدَ منْ سعِدَ إلا بخلافِ هواهُ ولا شقِيَ منْ شقيَ إلا بإيثارِ دنياهُ فاعتبرْ بمنْ مضى مِنَ الملوكِ والزهادِ أينَ لذةُ هؤلاء؟ وأينَ تعبُ أولئك؟ بقيَ الثوابُ الجزيلُ والذكْرُ الجميلُ للصالحينَ، والقَالَةُ القبيحةُ والعقابُ الوبيلُ للعاصِينَ، وكأنهُ ما جاعَ منْ جاعَ ولا شبِعَ منْ شبِعَ. والكسلُ عنِ الفضائلِ بئسَ الرفيقُ وحبُّ الراحةِ يورِثُ مِنَ الندم ما يُرْبي على كلِ لذةٍ فانتبهْ واتعبْ لنفسِكَ. واعلمْ أنَّ أداءَ الفرائضِ واجتنابَ المحارمِ لازمٌ فمتى تعدَّى الإنسانُ فالنارَ النارَ. ثم اعلمْ أنَّ طلبَ الفضائلِ نهايةُ مرادِ المجتهدينَ، ثمَّ الفضائلُ تتفاوتُ فمِنَ الناسِ مَنْ يرى الفضائلَ الزهدَ في الدنيا ومنهُمْ مَنْ يراها التشاغلَ بالتعبُّدِ وعلى الحقيقةِ فليستِ الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمعَ بينَ العلْمِ والعملِ فإذا حصَلا رفعَا صاحبَهُمَا إلى تحقيقِ معرفةِ الخالقِ سبحانَهُ وتعالى وحرَّكاهُ إلى محبَّتهِ وخشيتِهِ والشوقِ إليهِ فتلكَ الغايةُ المقصودةُ وعلى قدرِ أهلِ العزمِ تأتِي العزائمُ. وليسَ كلُّ مُريدٍ مُرادًا و لا كلُّ طالبٍ واجِدًا ولكنْ على العبدِ الاجتهادُ وكلٌّ ميسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لهُ واللـهُ المستعانُ.